القائمة الرئيسية

الصفحات




كتب :  محمد راتب

لا تتعجب عزيزي القاريء الذي جذب العنوان اهتمامه وتبادر إلي ذهنه "سد النهضة" الذي بدأت اثيوبيا في انشائه علي النيل الازرق منذ ابريل 2011 مهددة الأمن المائي لمصر أو تعتقد بوجود خطا إملائي أو مطبعي في العنوان , ولكن مع الاسف العنوان صحيح انه "سدود النهضة الاثيوبية " وليس" سد النهضة " الذي صورته لنا اثيوبيا لفترة طويلة ونقلته عنها وسائل الإعلام الدولية والمحلية بمختلف أشكالها وتناولتها العديد من المؤتمرات والأبحاث العلمية علي أنه مشروع لإنشاء سد علي النيل الازرق لتوليد الكهرباء وإنارة المدن الاثيوبية وعمل تنمية اقتصادية.
   فالسدود التي تخطط اثيوبيا لإنشائها بداية من عام 2016 لها خلفية تاريخية تعود إلي إعلان مصر عن نيتها بناء السد العالي وللظروف الدولية والاقليمية المعقدة في تلك الفترة قامت الولايات المتحدة برد فعل علي هذه الخطوة تمثلت في ارسال خبراء من المكتب الأمريكي لاستصلاح الاراضي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عام 1958 لدراسة انشاء عدد من المشروعات والسدود الضخمة علي النيل الأزرق لتنمية اثيوبيا من ناحية ولجعل السد العالي بلا فائدة حقيقية في حالة انشائه ومن ناحية أخري لاحتجاز تلك السدود كميات هائلة من المياة ورائها.
   وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في يونيو عام 1964 وتضمنت شرحا لثلاثة وثلاثين مشروعا علي النيل الأزرق الذي يشكل نسبة 80 % من المياة المغذية لنهر النيل ومن هذه المشروعات 4 سدود ضخمة تم تسميتها "كارادوبي " و"بوكو-أوبو" و"مندايا" وأخيرا سد "بوردر" أو الحدود والذي تم تغير إسمه الي "مشروع اكس" ثم "سد الالفية الكبير" عند وضع حجر الأساس له في ابريل 2011 ثم إلي "سد النهضة" في نفس الشهر .
   وأوضحت دراسة عام 1964 أن السعة التخزينية للسدود هي 70 مليار متر مكعب وأنها ستمكن اثيوبيا من أن تكون في مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2025 ومع قيام اثيوبيا بالبدء في بناء سد النهضة عام 2011 مستغلة انشغال مصر بالأوضاع السياسية الداخلية والبطء والتخبط المصري في التعامل في ملف مياة النيل لأسباب مختلفة منها عدم  وجود فريق تفاوضي محترف يمتلك صلاحيات وسمات تؤهله للتفاوض مع الجانب الاثيوبي –المراوغ- وعدم وجود أجندة تفاوضية محددة النقاط ومرتبه تنازليا طبقا للمصلحة الوطنية طويلة الامد بجانب عدم تسلح الفريق التفاوضي باستراتيجيات مختلفة تمكنه من المناورة وارغام المفاوض الاثيوبي علي الالتزام بتقديم معلومات كافية عن السد وايقاف بنائه بشكل مؤقت لمدة عام حتي تجري الدراسات الكافية أو في أسؤا الحالات ابقاء السعة التخزينية للسد عند 14 مليار متر مكعب  .
   ونتيجة للعديد من الاخفاقات والأخطاء السياسية المصرية في التعامل مع ملف مياة النيل خاصة ملف "سد النهضة " منذ عام 2011 وحتي الان - والتي لا يتسع هذا المقال لذكرها-  فقد استغلت اثيوبيا الاوضاع السياسية الداخلية المصرية والاقليمية والدولية الداعمة لها  وانتهت من بناء 50 % إذا لم يكن اكثر من جسم السد وهو ما أصبح يشكل تهديدا مباشرا لامن مصر المائي خاصة مع قرب الانتهاء من بناء السد عام 2017 أي أن السد سوف يبدأ في احتجاز ال74 مليار متر مكعب من المياة وهو ما سيشكل كارثة علي مصر اكدها تقرير صدر حديثا لشعبة الطاقة والكهرباء والبترول بالمجالس القومية المتخصصة يحذر فيها من تفاقم أزمة العجز المائي بنحو 9 مليارات متر مكعب سنويا لتصل إلي 12 مليار مليار متر مكعب فور اكتمال السد عام 2017.
   ولم تتوقف مشكلات "سد النهضة " عند ذلك الحد فسوف يؤدي قيام اثيوبيا بملء بحيرة السد علي 3 سنوات الي خصم 25 مليار متر مكعب مما سيؤدي الي انخفاض منسوب بحيرة ناصر مما سيقلل من انتاج كهرباء السد العالي بنسبة تتراوح من 20الي 25% بجانب تبوير ما يقرب من مليوني فدان وتشريد مئات الالاف من المواطنين علي اقل تقدير وانخفاض المساحات المزروعة بمحاصيل مثل الارز والقصب . 
   وأمام كل هذة المشكلات التي سيسببها "سد النهضة" بسعته التخزينية الكبيرة لابد أن أذكر القراء بأحد التصريحات الغامضة لمدير عام هيئة الطاقة الكهربائية الاثيوبية بتاريخ 29 يونيو 2011 والتي لم تتناولها وسائل الاعلام وقتها بشكل كاف لانشغالهم بالاحداث الداخلية الساخنة حيث صرح بأن " السدود الاربعة التي يجري إقامتها علي النيل الازرق سوف تستطيع توليد 11,000 ميجا وات وان ذلك سوف يبدأ بعد عام 2015" .
   ومع وجود دراسة عام 1964 للمكتب الامريكي لاستصلاح الاراضي حول السدود الأربعه علي النيل الأزرق وتحديثها عام 1998 لزيادة السعة التخزينية للسدود حتي أصبحت 200 مليار متر مكعب , وانكار اثيوبيا لحقوق مصر المائية التاريخية طبقا لاتفاقتي عامي 1929 و1959 , وما حدث من مراوغة اثيوبية سياسية وفنيه منذ عام 2011 وحتي الان جعلتها تنجح في تمويل وبناء السد بل وتغيير السعة التخزينية له من 14 مليار متر مكعب مرورا 63 مليار متر مكعب وانتهاء ب74 مليار متر مكعب وانكار اثيوبيا للاثار الكارثية للسد علي دولتي المصب السودان ومصر ونجاحها في جعل مصر توقع علي اعلان مباديء سد النهضة وبطء المسار التفاوضي مقارنة بالمسار الانشائي للسد , فانه من الواضح ان اثيوبيا تستعد للاعلان عن بناء السدود الثلاثة "كارادوبي" و"مندايا" وبوكو-اوبو" لينضموا الي "سد النهضة " ويصبحوا " سدود النهضة الاثيوبية " التي ستجعل اثيوبيا تحتكر توليد وتصدير الكهرباء لدول شرق وشمال افريقيا بالاضافة لخنق مصر مائيا ومحاولة تحجيم دورها افريقيا وابتزازها من اجل شراء الكهرباء الاثيوبية في مقابل المياة .
   والسؤال الذي لابد من طرحه علي المسئولين المصريين من كافة الوزارات والمؤسسات والجهات المعنية بملف مياة النيل ... هل استعددتم للمعارك السياسية والفنية القادمة مع اثيوبيا ومن ورائها امريكا والدول المعادية لمصر ام سنعيد ما حدث من بطء وتخبط في مفاوضات سد النهضة لنجد انفسنا امام كارثة جفاف نهر النيل بحلول عام 2025 نتيجة اكتمال بناء السدود الاربعة او ما ستطلق عليه اثيوبيا مستقبلا  "سدود النهضة الاثيوبية " . " .