محمد سامي راتب – باحث دكتوراه في الشئون الافريقية
. أثارت نتائج الانتخابات الرئاسية بجمهورية أفريقيا الوسطي والتي تنافس خلالها 30 مرشحا حالة من القلق بين الأطراف المحلية والاقليمية والدولية خوفا من تجدد أعمال العنف التي تحولت إلي حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين في الفترة ما بين عامي 2013 و 2015 والتي راح ضحيتها الالاف ما بين قتيل وجريح بجانب تشريد ما يقارب المليون مواطن .
وقد أسفرت نتيجة المرحلة الأولي علي حصول المرشح "أنيست جورج دولوجيلي" علي نسبة 23,78 % من اجمالي الاصوات بينما حصل المرشح "فوستن تواديرا" علي المركز الثاني بنسبة 19,42 % .
وتعتبر الانتخابات في جمهورية أفريقيا الوسطي علي درجة كبيرة من الاهمية والخطورة ليس لافريقيا الوسطي وحدها بل وللدول المحيطة بها ايضا نتيجة الامتدادات العرقية والدينية حيث تعتبر من الدول الحبيسة في القارة الافريقية حيث تحدها السودان وجنوب السودان من الشرق وتشاد شمالاً والكاميرون غربا وجمهوريتا الكونغو والكونغو الديمقراطية جنوبا .
وفيما يتعلق بالجماعات العرقية المكونة لأفريقيا الوسطي فانه يوجد بها ما يزيد علي 80 جماعة عرقية اهمها البايا والباندا والماندجا وبالنسبة للاديان فتبلغ نسبة البروتستانت 25% والكاثوليك 25% بينما تصل نسبة المسلمين الي 15% واصحاب المعتقدات الطبيعية تبلغ نسبتهم 35%.
وتعود حالة القلق من عودة اعمال العنف الطائفي مرة اخري إلي عدد من الأسباب يأتي علي رأسها البيان المشترك الذي وقعه 18مرشحا نددوا من خلاله بما أسموه التجاوزات التي رافقت العملية الانتخابية مثل ترهيب الناخبين أثناء التصويت في بعض المناطق وعدم ادراج العديد من المواطنين بالكشوف الانتخابية وتأخر وصول صناديق الاقتراع ومن أبرز المرشحين الذين شككوا في نتائج الجولة الأولي "مارتن زيجيلي" رئيس حزب "حراك شعب إفريقيا الوسطى" صاحب المركز الرابع في الانتخابات حيث شكّك في نزاهة عملية فرز الأصوات .
أما السبب الاخر فهو حصول المرشح "تواديرا" 58 عاما- الحاصل علي درجة الدكتوراه في الرياضيات وعمل كعميدا لجامعة بانجي - علي المركز الثاني بنسبة 19,42 % ودخوله جوله الإعادة ويرجع هذا القلق إلي حصول "تواديرا" علي مساندة حزب الرئيس الأسبق "فرانسوا بوزيزيه" الذي استولي علي السلطة عام 2003 وكانت سياساته السبب الرئيسي في تفجر أعمال العنف التي تحولت إلي حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين راح ضحيتها الالاف حيث كان "تواديرا" في تلك الفترة رئيسا للوزراء والنائب الثاني ل"بوزيزيه" وهو ما يثير خوف البعض من أن يكون "تواديرا" مجرد امتداد لنظام "بوزيزيه" .
والسبب الثالث الذي يدعو للقلق هو مجموعة التحالفات السياسية التي يجريها "تواديرا" مع عدد من المرشحين الخاسرين الذين لم يستطيعوا الحصول علي الأصوات اللازمة للدخول في جولة الإعادة وذلك من أجل الحصول علي أصوات ناخبيهم خاصة أن القبلية لازالت تحكم مناطق شاسعة من أفريقيا الوسطي وتعتبر مؤثرة في نسب واتجاهات التصويت وفي حالة نجاح "تواديرا" باتمام هذه التحالفات السياسية فقد يتمكن من الفوز في الانتخابات الرئاسية وهو ما يثير الخوف من اتباعه لنفس سياسات الرئيس الاسبق " فرانسوا بوزيزيه" .
ومن أبرز التحالفات التي أجراها "تواديرا" تحالفه مع صاحب المركز الخامس "جون سيرج بوكاسا" نجل الرئيس الأسبق "جون بيديل بوكاسا"- الذي اشتهر بوحشيته وأطيح به في انقلاب دعمته فرنسا عام 1979- والذي يحظى بشعبية كبيرة جنوب البلاد وتمتد شعبية بوكاسا الابن إلي شخصيات سياسية ورؤساء وزراء سابقين في أفريقيا الوسطى كما يسعي "تواديرا" لحصد أصوات النساء وذلك من خلال تحالفه مع " ريجينا كونزي مونجو" المرأة الوحيدة المرشحة في الانتخابات التي صرحت بانه (أي تواديرا) " المرشّح الوحيد الذي يمتلك نوايا صادقة في إعطاء المرأة المكانة التي تستحقها داخل المجتمع" .
وإذا كانت الأسباب السابقة تتعلق بالقلق من أوضاع وتحالفات سياسية في دولة عانت من عدم الاستقرار السياسي والأمني لفترات طويلة كان أخطرها ما حدث في الفترة ما بين 2013 و2015 فإنه يوجد سبب اخر يدعو للقلق علي السلام الهش بأفريقيا الوسطي ولا يقل أهمية عن ما سبقته من أسباب وهو يتعلق بالدعوي القضائية التي قدمت من المرشح "بلال ديزيريه كولينجبا" إلي المحكمة الدستورية والتي يطعن فيها علي نتائج الدور الأول من الانتخابات نتيجة عدد من المخالفات التي تم رصدها ومن المتوقّع أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها الفترة المقبلة .
واذا كانت جولة الإعادة ستجري يوم 31 يناير بين كل من "دولوجيلي" صاحب المركز الاول و"تواديرا" صاحب المركز الثاني – الذي يسعي للحصول علي أصوات ناخبين المرشحين الخاسرين - وبغض النظر عمن سيفوز بمقعد الرئاسة في حالة إجراء جولة الإعادة فإن السؤال الذي يطرح نفسه الأن هل سيستطيع الفائز بمقعد الرئاسة رأب صدع الفتنة الطائفية التي حدثت بين المسلمين والمسيحيين بعد الاطاحة بالرئيس "فرانسوا بوزيزيه" من جانب جماعة "السيليكا"- والتي تعني "التحالف" بلغة "السانجو" وتتكون من عدد من الجماعات أغلبها من المسلمين منها الجبهة الديمقراطية لشعب أفريقيا الوسطي ، واتحاد القوى الديمقراطية ، والتحالف من أجل إعادة البناء ، واتفاق الوطنيين من أجل إنقاذ البلاد .
وكان الرئيس "فرانسوا بوزيزيه" قد استعان بجماعة "السيليكا" سابقا من اجل الوصول للحكم ولكن بعد أن وصل إلي سدة الحكم تنصل من وعوده معهم والخاصة بمشاركتهم في السلطة والثروة وتنمية المناطق الشمالية المسلمة بل وقام باضطهادهم ورفض الإعتراف بحقوق المسلمين , كما عمل علي أثارة الفتنة بين قبيلتين مسلمتين كبيرتين في الشمال الشرقي هما قبيلتي "رونجا" و "قولا" - وكلتاهما لهما دوراً كبيراً في وصوله للحكم - مما أشعل صراعاً دموياً راح ضحيته عشرات الالاف من القبيلتين , لكنهما اتحدتا بعد ذلك في جماعة " السيليكا" حتي أطاحوا بنظامه في مارس 2013 , وعقب قيام "السيليكا" بالإطاحة ب"بوزيزي" تولي "ميشيل جودتوديا" السلطة كأول رئيس مسلم يصل إلي سدة الحكم .
وعلي الرغم من قيام الرئيس "جودتوديا" بحل منظمة "السيليكا" في سبتمبر 2013 , فإنه لم ينزع سلاح هذه المجموعة , التي بدأت في الانتقام من سكان المناطق ذات الأغلبية المسيحية داخل العاصمة "بانجي" , مما اسفر عن مقتل المئات, وفي المقابل قام "بوزيزي" بتشكيل "الانتي بلاكا" أو "مناهضو السواطير" بمساعدة الجماعات المسيحية لتكوين ميليشيات مسلحة لحماية أنفسهم, وحملت هذه الميليشيات المسلمين مسئولية الانتهاكات التي ارتكبتها "السيليكا" وبدأت التنكيل بهم , مستغلة حالة الحقد بين المسلمين والمسيحين مما أدي الي حدوث حرب طائفية لا تزال اثارها موجودة إلي اليوم .